
(91%) من أطفال غزة يعانون صدمات نفسية بسبب الحرب
مصطفى ابراهيم
أمد/ خلال الأيام الثلاثة للعدوان على غزة، حفيدتي شادن (3 سنوات) شرعت تقول لوالدتها، عن صوت الانفجارات الناتجة من صواريخ الطائرات الحربية الإسرائيلية: “ماماfireworks عادي صح عادي؟”. شادن عاشت ثلاثة حروب منذ مولدها: 2019، 2021،والجولة الأخيرة 2022، واصبح لديها خبرات في تحديد الأصوات. طاقتها لا تتوقف أثناءالعدوان لكن سلوكها تغير. أصبحت صامتة، وتراجعت شهيتها على الطعام.
في اتصال مع صديقي أحمد للاطمئنان إليه بعد أن قصفت الطائرات الحربية الاسرائيليةمكاناً قريباً من سكنه، أخبرني أنه رزق بمولود قبل اسبوعين من عدوان أيار/مايو 2021 بأيام، والآن، مع هذه الحرب، يكون المولود قد عاصر حربين. ابنه حسين 8 سنوات لميستطع النوم، وظل ساعات طويلة وهو يحدّثه عن الحرب ويسأله: هل تتوقف بسرعة هذهالمرة؟ وذكّره بما حدث فى حرب 2021.
طلب حسين من والده أن ينام بجانبه هذه الليلة، وقال أحمد: “كنت أشعر بالخوف فيسؤاله، فهو يبحث عن مصدر للأمان، فقلت له نعم سننام جنباً إلى جنب”.
في نهاية شهر تموز/يوليو الماضي دعيت لحضور حلقة دراسية حول الصحة النفسية فيغزة، عقدتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” بالشراكة مع“اليونيسف”، وتأثير قضايا الصحة النفسية على المجتمع والأطفال والشباب، والتخفيفمن آثار المشاكل المتعلقة بالصحة النفسية خصوصاَ في ظل ظروف اقتصادية متدهورة فيقطاع غزة.
الدكتور أكيهيرو سيتا مدير دائرة الصحة في “أونروا” قال: “ثلث سكان غزة لديهم مشاكلنفسية. 40% من طلبة الصف الأول يعانون من مشاكل صحية ونفسية”.
أما يوسف شاهين رئيس برنامج وقاية ورقابة الأمراض في “أونروا” قال إن “برنامجالصحة النفسية والدعم النفسي الذي تقدمه “أونروا” قام بمتابعة وعلاج نحو 87 ألفحالة في قطاع غزة”.
وعن الأعراض فهي تظهر على مرضى الاكتئاب والصرع وهناك حالات أخرى لها علاقةبالأمراض المزمنة والأمراض الجسدية التي لا نجد لها تفسيراً وتكون ذات منشأ نفسي.
الطفلة كنزي (12 عاماً)، تسكن في الطابق التاسع من برج فلسطين المكان الذي اغتالت فيهإسرائيل بصواريخ الطائرات الحربية القائد العسكري في “سرايا القدس” تيسيرالجعبري، كان قد حان دورها في اللعب على الهاتف المحمول. والدتها تقسّم وقت اللعبواستخدام الهاتف ساعة لها وساعة مع شقيقها علي، 8 سنوات، الذي كان يلعب فيالطابق الثامن. وأثناء وقوفها عند الشباك تنتظر انتهاء الساعة للعودة للعب في الهاتفالمحمول، سقط الصاروخ. كنزي لم تصب جسدياً، إلا أن الصدمة النفسية وأعراضها بدأتتظهر عليها وعلى شقيقها مباشرة، على شكل صعوبة في النوم وخوف وكوابيس.
يقول الاخصائي النفسي أحمد حسين لـ “درج”: “عادة ما تكون استجابة الأطفال مختلفةللصدمة النفسية، مباشرة بعد الصدمة يجد الطفل صعوبة فى النوم، وأحلام مخيفةوكوابيس، واحيانا الأعراض لا تظهر مباشرة بعد الصدمة، فقد تظهر بعد أيام أو أسابيع. بالإضافة إلى ضعف التركيز، يسيطر على تفكير الأطفال وسلوكهم ذكريات ما حدث”.
فكرة عدم وجود مكان آمن تفاقم المعاناة النفسية وتولّد زيادة تراكمية في المعاناة النفسية. هذا ما يسمى بـ”كرب ما بعد الصدمة”، وهي انتكاسة صحية نفسية، وأعراضها استعادةالطفل الحدث كأنه شريط سينمائي.
بكر التركماني محامي وناشط حقوقي، له طفلين، زينه تبلغ من العمر 5 سنوات، وزكريايبلغ من العمر عامين، يقول إن “مجرد سماع زكريا صوت الطائرات الحربية والانفجاراتيهرع للاختباء تحت الطاولة او خلف الكنبة، أما زينة فقد تغير سلوكها فهي تبدأ بالصراخما أن تسمع صوت القصف وتمنع والديها من فتح التلفزيون لتجنب مشاهدة ما يجري”.
وفيما يتعلق باختباء الاطفال في احضان الوالدين والنوم بجوارهما، يقول الأخصائيالنفسي أحمد حسين، إن “سببه الحاجة إلى الأمان الذي يمثله الأهل في لحظة فقدانالأمن. لكن عندما يسيطر الخوف على الكبار، ولا يستطيعون إخفاءه عن أطفالهم، يفقدالأطفال حينها شعورهم بالأمن ويتحول خوف أهلهم إلى حالة هلع بالنسبة إليهم، وهذاما يجري في الكثير من الأحيان مع أطفال غزة”.
في العام الماضي(2021) نشر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أرقاماً تشير إلىأن 91% من أطفال قطاع غزة أصيبوا بصدمات نفسية بعد العدوان الإسرائيلي في مايو/أيار من العام الماضي، وذكر التقرير أن 9 من بين كل 10 أطفال في قطاع غزة يعانون منأحد أشكال الصدمة المتصلة بالعدوان، بعد أكثر من شهر على انتهاء العدوان العسكريالإسرائيلي على القطاع.
وبحسب التقرير فإن الانتهاكات تعرضت لها أكثر فئتين هشاشةً في القطاع، النساءوالأطفال، وأن نحو 50% من سكان قطاع غزة، هم من الأطفال تحت سن 15 عاماً، و49% من الإناث.
في نهاية شهر حزيران/يونيو الماضي افتتحت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين“أونروا”، برنامج “أسابيع المرح”، الصيفي، في 83 موقعا، في مناطق مختلفة من قطاعغزة، وبلغ عدد المشاركين في البرنامج 120 ألف طفل. وجاء افتتاح البرنامج لتخفيفالضغوط النفسية عن الأطفال، الذين عانوا منها بعد الحرب الإسرائيلية.
من الاحصاءات التي نشرت وذكرتها “اونروا” ومراكز حقوقية على علاقة بالصحةالنفسية، إن الفلسطينيين في قطاع غزة يعيشون حالة من الإحباط والتدهور النفسينتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وهناك علاقة لصيقة بين الحالة النفسية في القطاع، أو الاضطرابات النفسية وبينأسبابها، وأهمها في تطور الحالة النفسية المتردية في قطاع غزة، وجود الاحتلالالإسرائيلي والحصار، وطبعاً الحروب.